سلا الغامضة : 5 أسرار عن جمهورية القراصنة في المغرب

سلا الغامضة : 5 أسرار عن جمهورية القراصنة في المغرب

مدينة هادئة اليوم، لكنها كانت في زمن مضى قاعدة لقوة بحرية لا ترحم. من ميناء سلا، انطلقت سفن صغيرة أرعبت أوروبا وكتبت صفحة غامضة في تاريخ المغرب البحري

من الميناء إلى البحر المفتوح

تقف مدينة سلا اليوم على الضفة اليمنى لنهر أبي رقراق، هادئة، محافظة، كأنها لا تخبّئ شيئًا. لكن التاريخ له رأي آخر

كانت سلا لقرون طويلة نقطة التقاء حضارات وثقافات مختلفة، موقعًا استراتيجيًا على المحيط الأطلسي جعلها هدفًا للمغامرين والتجار والقراصنة على حد سواء. وجودها على نهر أبي رقراق قرب العاصمة الرباط منحها مكانة فريدة بين مدن المغرب، حيث جمعت بين صخب الأسواق وروح المغامرة البحريةفي بدايات القرن السابع عشر، كانت هذه المدينة قاعدة بحرية لقراصنة من نوع خاص. لم تكن مغامرتهم مجرد فوضى في البحر، بل تأسيسٌ لكيان مستقل سُمّي بـجمهورية بورقراق، خارجة عن سيطرة الدولة، يحكمها قانون البحر والغنيمة

في هذه الجمهورية البحرية، كانت القوانين تختلف عن أي نظام آخر. القراصنة اتفقوا على قواعد صارمة لتوزيع الغنائم، وكيفية التصرف مع الأسرى، بل وحتى تنظيم الاجتماعات واتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي بين الطواقم. لم تكن مجرد عصابة، بل كيان مستقل يحكمه شيوخ البحرية وقوانين البحر المفتوح

حين اجتمع المنفيّون والغاضبون

سنة 1609، بدأ طرد الموريسكيين من إسبانيا. آلاف العائلات المسلمة، المتقنة للملاحة والتجارة والحرب، فرّت نحو شمال المغرب

الموريسكيون هم مسلمو الأندلس الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية ثم طُردوا لاحقًا، كانوا يجيدون تقنيات الزراعة، الحرف، والفنون البحرية، ما جعل وصولهم للمغرب يشكل نقطة تحول في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمدن الساحلية التي استقبلتهم

في سلا، وجدوا ميناءً طبيعيًا ونهرًا يشكّل مخرجًا مثاليًا نحو المحيط الأطلسي

هنا، اختلطوا مع بحارة مغاربة، وأسرى أوروبيين أسلموا، وخلقوا قوة بحرية مستقلة… كانت تنهب السفن الأوروبية، وتختطف النبلاء مقابل فدية، وتهاجم حتى سواحل إنجلترا وهولندا

—

جان جانسزون … من هولندي إلى أسطورة مغربية

من أشهر القراصنة الذين قادوا هذه الحركة كان رجل يُدعى جان جانسزون فان هارلم، هولندي الأصل، اعتنق الإسلام وتسمّى بـالرايس مراد

يُروى أن جانسزون كان أسيرًا سابقًا أُخذ من هولندا، لكنه وجد في الإسلام ومدينة سلا فرصة لإعادة بناء حياته. لم يكن فقط قرصانًا ماهرًا بل أيضًا قائدًا دبلوماسيًا، استطاع ربط علاقات مع قادة آخرين في البحر المتوسط والأطلسي، مما ساعد على توسيع نفوذ جمهورية بورقراق

قاد عمليات قرصنة جريئة وصلت إلى سواحل فرنسا وجزر الكناري، بل وُثّقت هجماته حتى في منطقة الكاريبي، وهو ما يجعله أحد أوائل من رفع راية سلا في أعالي البحار

صمت الدولة… ثم ضربة مولاي إسماعيل

في البداية، لم تتدخل الدولة العلوية

السلطان العلوي في تلك الفترة كان يركز على استقرار حكمه الداخلي ومحاربة خصومه في البر، لذلك كان يغض الطرف عن نشاط القراصنة طالما أنهم يجلبون الثروات للمدينة ولا يهددون الحكم مباشرة. علاوة على ذلك، كانت علاقة الدولة مع بعض القراصنة علاقة توازن منفعة متبادلة

القراصنة كانوا يجلبون الأموال، والمدينة مزدهرة، والأسواق تفيض بالبضائع الأوروبية المسروقة

لكن مع ازدياد الضغط الأوروبي (خصوصًا من فرنسا وإنجلترا)، وبداية استقرار حكم السلطان مولاي إسماعيل، تغيّر الموقف

سنة 1684، أرسل السلطان جيشًا لاستعادة السيطرة الكاملة على المدينة، وإنهاء حكم جمهورية القراصنة

كانت الحملة على جمهورية القراصنة معركة حاسمة استخدم فيها مولاي إسماعيل قواته المدربة جيدًا ومدفعيات حديثة، مما أنهى فترة حكم القراصنة. بعد ذلك، بدأ السلطان في إعادة بناء المدينة وتعزيز قوات البحرية الملكية لضمان عدم عودة قوى مستقلة تزعزع الاستقرار

تم تفكيك التنظيم، وسيطرت الدولة من جديد، لتبدأ صفحة جديدة… وهادئة

سلا اليوم … ذاكرة تغفو على ضفة البحر

لا تزال أبواب المريسة شاهدة على عصر لم يُنسَ

وفي الزقاق الضيقة، وفي صمت نهر أبي رقراق، تهمس الحكايات القديمة عن رجالٍ ونساء عاشوا بحرية مطلقة… ثم اختفوا

لكن البحر، كما هو دائمًا، لا ينسى

اكتشف المزيد حول مدينة سلا بطريقة فريد

إذا كنت من عشاق استكشاف المدن ومعرفة أسرارها المخفية، فلا تفوت فرصة التعرف على مدينة سلا من منظور جديد. استمع الآن إلى دليلنا الصوتي واستمتع بجولة غنية بالمعلومات حول تاريخ المدينة العتيقة ومعالمها المخفية، حيث تأخذك القصص الشيقة في رحلة عبر الزمن

لتعيش تجربة تفاعلية لا مثيل لهاكما يمكنك حجز جولاتنا السياحية المصحوبة بمرشدين محترفين لاكتشاف أهم الأماكن التاريخية والثقافية في سلا بطريقة ممتعة ومميزة. سواء كنت زائرًا جديدًا أو من سكان المدينة، ستجد في هذه التجربة فرصة لاكتشاف المدينة كما لم ترها من قبل

 للمزيد من التفاصيل، تابعونا على إنستغرام

لا تفوت الفرصة، احجز الآن وانطلق في مغامرتك السياحية معنا